جريمة الحملة الانتخابية خارج النطاق الزمني
د.ضياء عبدالله عبود الجابر الاسدي
جامعة كربلاء/ كلية القانون
اهتمت التشريعات الانتخابية بتنظيم بالحملة الانتخابية، وذلك بإخضاعها لمجموعة من القواعد أو المبادئ التي تهدف في مجموعها الإبقاء عليها في الإطار المخصص لها، وتحديد العلاقة التي يجب أن تكون بين المرشحين أنفسهم أو بينهم وبين الدولة، فقد تستخدم هذه الدعاية بشكل غير مشروع، مما يشكل خروجاً على القواعد المنظمة لها، لذلك نجد التشريعات الانتخابية تحظر العديد من أشكال السلوك التي قد يلجأ إليها البعض أثناء الحملات الانتخابية، ومعاقبة مرتكبيها بجزاءات جنائية من اجل منع ارتكابها أو الحد منها أو بقمعها عند حدوثها. وتتعدد في هذا المجال النصوص التي تنظم الحملة الانتخابية (الدعاية الانتخابية)، فبعضها يخص وسائل أو أساليب هذه الحملة من حيث المدة المحددة لممارستها، فالتشريعات الانتخابية تحدد مدة زمنية لممارسة هذه الحملة (الدعاية)، وتعد كل ممارسة لها خارج النطاق الزمني المحدد جريمة انتخابية، يُعاقـَب على ارتكابها، ومن اجل الإطلاع بشكل مفصل على هذه الجريمة سنقسم هذا المطلب على فرعين الأول نخصصه لماهية هذه الجريمة، والثاني نتطرق فيه لأركانها .
الفرع الأول
ماهية الجريمة
للحملة الانتخابية فترة زمنية محددة، تجري من خلالها المنافسة الرسمية والمشروعة بين المرشحين([1])، وتحدد التشريعات الانتخابية لكل شكل من أشكال الانتخاب الفترة الزمنية التي يسمح من خلالها للمرشحين بالتعبير عن آرائهم وعرض برامجهم، وذلك باستخدام وسائل الدعاية المحددة قانوناً، بمعنى إنها تحدد مواعيد بدء وانتهاء القيام بأعمال الحملة أو الدعاية الانتخابية، وتكون مدة الدعاية قصيرة نسبياً، وتنتهي بصورة عامة قبل يوم الانتخاب، بحيث يجد الناخب وقتاً للتفكر والتأمل والاختيار في هذه الفترة حتى وقت التصويت.ففي انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2010 حددت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بداية الحملات الانتخابية في يوم الأحد الموافق (7/2/2010)،على أن تنتهي قبل يوم الانتخابات المزمع أجراءها فيه وهو يوم الأحد الموافق (7/3/2010)،أي يجب أن تنتهي في الساعة السابعة من صباح يوم السبت الموافق(6/3/2010)،لتكون أل(24) ساعة التالية له يوم صمت انتخابي،لا يجوز إجراء أي دعاية انتخابية فيه،مهما كان نوعها. .
وتنقسم التشريعات الانتخابية من حيث تنظيمها للفترة الزمنية المخصصة للحملة أو الدعاية الانتخابية على اتجاهين:
الأول: يحدد هذه الفترة الزمنية ويقرر جزاءات جنائية لأفعال ممارسة الحملة أو الدعاية الانتخابية خارج نطاقها. .
الثاني: يكتفي بالنص على تنظيم زمن الحملة أو الدعاية الانتخابية دون تقرير أي جزاء جنائي على مخالفتها. .
ونرى أن الاتجاه الأول هو الواجب الإتباع لأنه يسبغ حماية قانونية اكبر للحملة أو للدعاية الانتخابية، وبالتحديد لمبدأ المساواة فيها من خلال فرض العقوبات الجنائية على كل من يخالف أحكامها. .
الفرع الثاني
أركان الجريمة
جريمة الدعاية الانتخابية خارج النطاق الزمني المحدد لها، تتكون من ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي، نتناولهما بالتعاقب ثم نتطرق للعقوبة المقررة لها.
أولاً:الركن المادي
يتحقق الركن المادي في هذه الجريمة عند قيام الجاني بفعل يندرج تحت مفهوم الحملة أو الدعاية الانتخابية بغض النظر عن الوسيلة أو الأسلوب المستخدم فيها، وسواء قام بهذا الفعل المرشح أو الغير لصالحه، خلافاً للمواعيد المحددة للحملة(الدعاية )والتي يقررها المشرع ويعدّها ملزمة ويحظر الإخلال بها، تحقيقاً للعدالة والمساواة بين المرشحين لضمان حسن سير العملية الانتخابية، ويستوي في تجريم هذه الأفعال، أن ترتكب قبل الدعوة للانتخاب أو خلال المدة المحددة للدعاية ولكن بتجاوز الأوقات المسموح فيها، كعقد اجتماع في مكان عام حتى فترة متأخرة من الليل بينما لا يسمح القانون بامتداد هذا الاجتماع إلا لوقت محدد، أو بشرط الحصول على إذن قبل مدة معينة، أو بعد انتهاء المدة المحددة للدعاية الانتخابية،كيوم الصمت،ويوم الاقتراع، ولا يترتب على هذه الأفعال إلغاء الانتخابات إلا إذا كان لها تأثير في نتائجها . .
ويندرج في عداد السلوك محل التجريم التمويل لأغراض الدعاية في غير المدد المحددة لها، أو امتداد الاجتماعات إلى ما بعد الميعاد المحدد لها، أو إقامتها في غير الفترة المصرح بها، أو قيام المرشح بالدعاية عن طريق الإذاعة أو التلفاز خلافاً للفترة الزمنية المحددة، أو توزيع المنشورات وتعليق اللافتات خارج المدة الزمنية المحددة، وتوزيع الصحف والمجلات في هذا التوقيت حتى وان كان مجاناً ما دام ينطوي على الدعاية لمصلحة احد المرشحين. .
وتقوم المسؤولية الجنائية للمرشح أو القائم بالإعلان على الرغم من عدم قيامهما بالمشاركة في اقتراف مخالفة الإعلان غير القانوني وذلك بنشره في غير المواعيد المحددة اكتفاءً بثبوت مشاركتهم في الإعداد أو التسهيل لارتكابها من خلال الوسائل المؤدية لذلك أو إصدار التعليمات الخاصة بها([2])، كذلك تتحقق هذه المسؤولية بحق المرشح الذي يقوم بالتحريض أو الاستفادة من الدعاية غير القانونية وذلك بإصدار التعليمات أو التوصيات للقيام بها رغم امتلاكه السلطة لمنعها وعدم ارتكابها. .
ثانياً: الركن المعنوي :
الحملة أو الدعاية الانتخابية خارج النطاق الزمني المحدد لها جريمة عمدية يتحقق ركنها المعنوي بتوافر القصد الجنائي العام، والمتمثل بعلم الجاني بالمواعيد المحددة للحملة الانتخابية (الدعاية الانتخابية) والتي لا يجوز له مخالفتها عن طريق أي عمل من أعمال الحملة الدعاية خارج نطاق تلك المواعيد، واتجاه أرادته الحرة إلى القيام بممارسة أي شكل من أشكال الدعاية الانتخابية، وسواء كان ذلك قبل بدء المدة المحددة قانوناً أو خلالها ولكن بتجاوز الأوقات المحددة، أو بعد انتهائها، فيعد القصد الجنائي متوافراً عند القيام بتوزيع الإعلانات الانتخابية عن طريق قذفها من الطائرات صبيحة يوم الاقتراع، فهو عمل غير مشروع من حيث المبدأ، لأنه تم عقب إقفال الدعاية الانتخابية واستخدم فيه أسلوب الحيلة والمناورات الواضحة([3])، أو بيع إحدى الصحف التي تساند احد المرشحين في يوم وصالة الاقتراع، أو قيام المجلس البلدي بلصق إعلان كبير في صباح يوم الاقتراع لصالح قائمة العمدة الذي انتهت مدة عموديته والمرشح في الانتخاب. .
أما عقوبة هذه الجريمة فهي الغرامة في بعض التشريعات، والبعض الآخر من التشريعات يزاوج بين العقوبة السالبة للحرية والغرامة، وهو ما أخذ به التشريع العراقي في قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 المعدل الفصل الخامس(الحملة الانتخابية)،المواد(20- 26)، والمادة(27/ي) من الفصل السابع(جرائم الانتخابات)،والمواد (37،و43،44) من قانون انتخاب مجلس المحافظات والاقضية والنواحي رقم(36) لسنة 2008،وقانون الانتخابات النافذ رقم (38) لسنة 2013.فضلاً عن العقوبات الأصلية هناك تشريعات تقرر عقوبات تبعية كالحرمان من ممارسة حق الترشيح والانتخاب، أو تكميلية كمصادرة المنشورات أو الملصقات أو الأوراق التي استخدمت في الدعاية.كما ساوى المشرع في العقوبة بين الجريمة التامة والشروع فيها،وهو مسلك محمود يضفي حماية قانونية أكبر للحملة الانتخابية بصورة خاصة والعملية الانتخابية بصورة عامة. .